ثقافة

هكذا كان الأسلاف يقودون الأمة ( الحاكم الزاهد )

كانت الشام قبل الإسلام تتمتع بأهمية كبيرة كمركز تجاري بين الشرق والغرب . وبعد الإسلام حضيت باهتمام الخلفاء الذي تمثل باختيار الولاة لتلك البلاد . ويروي ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان حذراً في اختيار الوالي لها وبعد طول تفكير وقع اختياره على الصحابي الجليل سعيد بن عامر رضي الله عنه فطلبه الى المسجد وعرض عليه ذلك فرفض وقال : أخشى الفتنة ياأمير المؤمنين . فقال عمر غاضباً : والله لا أدعك . . أتضعون أمانتكم وخلافتكم في عنقي وتتخلون عني وأحمل وزرها أمام الله وحدي .. وأطرق سعيد قليلاً وقبل الولاية !!
وخرج مع أهله قاصداً حمص بعد أن أعطاه عمر قدراً من المال ليستعين به على أمور إدارته للولاية الجديدة ولما استقر به المقام أرادت زوجته أن تستعمل حقها كزوجة حاكم في استثمار هذا المال وأشارت عليه بأن يشتري لها لباساً لائقاً ومتاعاً وأثاثاً وبيتاً جديداً يصلح مقراً للحكم ثم يدخر الباقي للأمور المستقبلية .
 
غير أن الزاهد العابد لم يكن ليقتنع بمثل هذا المسلك الدنيوي من زوجته . . فقال لها : ألا أدلك على خير من ذلك كله . .؟ نحن في بلاد تجارتها رابحة وسوقها رائجة فلنعطِ هذا المال من يتجر لنا فيه وينميه لنا .
 
قالت : فإن خسرت تجارته . .؟
قال لها : سأجعل ضمانها عليه
قالت : فنعم إذن .
 
خرج سعيد فاشترى بعض ضرورات عيشه المتقشف ثم فرق جميع المال على الفقراء والمحتاجين من أهل حمص . ومرت الأيام وبين الحين والآخر تسأله الزوجة عن تجارتهما وما لها منها من ربح فيجيبها الزوج الزاهد بأنها تجارة موفقة وأن أرباحها تنمو وتزيد . غير أن الشك بدأ يتسرب إلى نفس الزوجة تدريجياً فأصرت يوماً على الحصول على إجابة واضحة .
 
فقال لها : لقد تصدقت بالمال كله في ذلك اليوم .
 
وأمام دموع الزوجة قال لها : إنَّ لي أصحاباً قد سبقوني إلى الله . وما أحب أن أنحرف عن طريقهم ولو كانت لي الدنيا بما فيها . وحينما خشي أن تُدلّ عليه بجمالها وأنوثتها قال لها وكأنه يوجه الحديث إلى نفسه : تعلمين أن في الجنة من الحُور العين والخيرات الحسان ما لو أطلَّتْ واحدة منهن على الأرض لأضاءتها جميعاً . ولقهر نورها نور الشمس والقمر معاً . .
 
فلأن أضحي بك من أجلهن أحرى وأولى من أن أضحى بهن من أجلك . ولما تيقنت زوجته من صدق عزمه وأنه لا خيار لها سوى السير بطريق الزهد وحمل النفس على التقوى انضمت إليه فى زهده ورضيت بما ستربحه في الدار الآخرة …
 
اللّهم ولي علينا أميناً ولا تدعنا للصوص وعليك بهم فإنهم لا يعجزونك !!!!
عرض المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق